الشخصية القهرية أو اضطراب الوسواس القهري (OCD): أسبابه، وطرق علاجه
اضطراب الوسواس القهري، والمعروف اختصاراً بـ (OCD)، هو اضطراب نفسي يؤثر على طريقة تفكير الأفراد وتصرفاتهم، حيث يشعر المصابون به بوجود أفكار مستمرة وغير مرغوب فيها، أو ما يُعرف بالوساوس، التي تجبرهم على القيام بأفعال قهرية لتخفيف القلق الناتج عن تلك الأفكار. يمكن أن يؤثر هذا الاضطراب بشكل كبير على حياة الفرد اليومية، حيث يستهلك وقتًا طويلًا وينتج عن محاولات متكررة لتجنب أو مقاومة الأفكار المزعجة.
يتسبب اضطراب الوسواس القهري في العديد من الأعراض التي تختلف من شخص لآخر، ويمكن أن تشمل التكرار المفرط لأعمال معينة مثل غسيل اليدين، التحقق المستمر من الأشياء، أو تنظيم الأشياء بطريقة معينة. في هذا المقال، سنستعرض أسباب اضطراب الوسواس القهري وطرق علاجه.
1. أسباب اضطراب الوسواس القهري
إن أسباب اضطراب الوسواس القهري ما زالت قيد البحث والدراسة، ولكن هناك مجموعة من العوامل المحتملة التي قد تساهم في تطور هذا الاضطراب، سواء كانت بيئية أو جينية أو حتى بيولوجية. نعرض في ما يلي بعض من أهم هذه العوامل:
أ. العوامل الوراثية
تشير الدراسات إلى أن هناك ارتباطًا وراثيًا بين اضطراب الوسواس القهري وعوامل الوراثة. حيث يلاحظ أن الأشخاص الذين لديهم تاريخ عائلي لهذا الاضطراب يكونون أكثر عرضة للإصابة به. قد تكون العوامل الوراثية مسؤولة عن تغيرات في التركيب الجيني، مما يجعل الأفراد أكثر عرضة للوساوس القهرية.
ب. التغيرات الكيميائية في الدماغ
العلماء يعتقدون أن اضطراب الوسواس القهري قد يكون مرتبطًا بتغيرات في مستوى بعض المواد الكيميائية في الدماغ مثل السيروتونين. يعتبر السيروتونين مادة كيميائية تلعب دورًا أساسيًا في تنظيم المزاج، والنوم، والذاكرة، والشعور بالقلق. وأظهرت بعض الدراسات أن الأشخاص المصابين بـ OCD قد يعانون من انخفاض مستويات السيروتونين في أدمغتهم.
ج. العوامل البيئية
العوامل البيئية قد تساهم أيضًا في ظهور اضطراب الوسواس القهري. قد يكون التوتر المستمر، أو التجارب المؤلمة مثل الصدمات النفسية، أو التعرض للمواقف التي تثير القلق بشكل مفرط عوامل محفزة لهذا الاضطراب. على سبيل المثال، الأطفال الذين مروا بتجارب مؤلمة أو كانوا في بيئات مليئة بالضغط النفسي قد يعانون من تطور الوساوس القهرية.
د. العوامل النفسية والسلوكية
من الجوانب النفسية والسلوكية التي قد تساهم في اضطراب الوسواس القهري هو فهم الشخص لطريقة تحكمه في أفعاله وأفكاره. بعض الأفراد الذين يعانون من الوسواس القهري قد يطورون طرقًا غير صحية للتعامل مع القلق، مثل تجنب المواقف التي تثير المخاوف أو القلق، مما يزيد من تكرار الأفعال القهرية.
هـ. التغيرات في بنية الدماغ
دراسات تصوير الدماغ أظهرت أن الأشخاص المصابين بـ OCD قد يظهر لديهم نشاط غير طبيعي في بعض المناطق الدماغية مثل العقد القاعدية. تلك المناطق تتحكم في الحركة، والقرار، والتكرار. هذا يشير إلى أن تغيرات في هذه المناطق قد تكون عاملًا في زيادة الرغبة في تكرار سلوكيات معينة.
2. أعراض اضطراب الوسواس القهري
يتجلى اضطراب الوسواس القهري في مجموعة متنوعة من الأعراض التي قد تتراوح بين الخفيفة والشديدة. ومن أهم الأعراض التي يعاني منها المصابون:
أ. الوساوس
الوساوس هي أفكار أو صور ذهنية مزعجة تتكرر بشكل مستمر، وتدور حول موضوعات مثل الخوف من التلوث، أو الإيذاء غير المقصود للآخرين، أو الخوف من ارتكاب أخطاء. يشعر المصاب بهذه الوساوس كأنها خارجة عن إرادته ويصعب عليه التحكم فيها.
ب. الأفعال القهرية
الأفعال القهرية هي التصرفات أو الطقوس التي يقوم بها الشخص بشكل مكرر في محاولة لتخفيف القلق الناجم عن الوساوس. يمكن أن تشمل هذه الأفعال غسل اليدين بشكل مفرط، ترتيب الأشياء بطريقة معينة، التحقق المتكرر من الأبواب والنوافذ أو حتى العد المستمر.
ج. القلق المستمر والتوتر
يشعر الأشخاص المصابون بـ OCD بقلق وتوتر دائم بسبب الوساوس التي تراودهم. وقد ينعكس هذا القلق في حياتهم اليومية ويؤثر على قدرتهم على العمل أو القيام بالأنشطة العادية.
د. الشعور بعدم الراحة بعد عدم إتمام الأفعال القهرية
من أبرز الأعراض هو الشعور بعدم الراحة أو القلق الشديد عند عدم القدرة على أداء الأفعال القهرية. قد يؤدي هذا إلى محاولات متعددة لإعادة تنفيذ الأفعال القهرية حتى يشعر الشخص بالراحة.
3. طرق علاج اضطراب الوسواس القهري
يعد اضطراب الوسواس القهري من الاضطرابات النفسية التي يمكن علاجها. يعتمد العلاج على مجموعة من الأساليب النفسية والطبية، ويتم اختيار العلاج الأنسب بناءً على شدة الأعراض وتفضيلات الشخص.
أ. العلاج السلوكي المعرفي (CBT)
يُعتبر العلاج السلوكي المعرفي من أبرز العلاجات الفعّالة لعلاج اضطراب الوسواس القهري. يعتمد هذا العلاج على مساعدتك في تحديد وتغيير الأنماط السلبية في التفكير والسلوك. في سياق OCD، يتم تدريب المريض على مواجهة الوساوس دون اللجوء إلى الأفعال القهرية. قد يشمل العلاج تمارين تعرض الشخص للقلق المسبب للوساوس بشكل تدريجي، مما يساعده على التحكم فيها بشكل أفضل.
ب. العلاج بالعقاقير
الأدوية المضادة للاكتئاب، مثل مثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائية (SSRIs)، تعد من العلاجات الشائعة للوسواس القهري. تساعد هذه الأدوية في زيادة مستويات السيروتونين في الدماغ، مما يساهم في تقليل الأعراض. قد يوصي الأطباء باستخدام هذه الأدوية كجزء من العلاج إلى جانب العلاج السلوكي المعرفي.
ج. العلاج بالتعرض ومنع الاستجابة
يعد هذا النوع من العلاج جزءًا من العلاج السلوكي المعرفي ويشمل تعريض الشخص للمواقف التي تثير الوساوس دون السماح له بأداء الأفعال القهرية. على سبيل المثال، قد يُطلب من الشخص الذي يعاني من الوساوس المتعلقة بالتلوث أن يلمس شيئًا يعتبره ملوثًا، ثم يتم منعه من غسل يديه. الهدف هو تقليل القلق تدريجيًا وتعليم الشخص أن الوساوس لا تؤدي بالضرورة إلى نتائج سلبية.
د. الدعم النفسي والاجتماعي
قد يكون دعم الأسرة والأصدقاء أمرًا بالغ الأهمية في معالجة اضطراب الوسواس القهري. حيث يساعد الدعم العاطفي على تعزيز الصبر والتحمل أثناء رحلة العلاج. من المهم أن يكون المحيطون بالمريض على دراية بالمرض ليتمكنوا من تقديم الدعم المناسب.
هـ. العلاج بالصدمات الكهربائية (ECT)
في الحالات الشديدة أو التي لا تستجيب للعلاج، قد يُوصى بالعلاج بالصدمات الكهربائية، والذي يُستخدم عندما تفشل الأدوية والعلاج السلوكي المعرفي في تقديم نتائج فعّالة. يعتمد هذا العلاج على تحفيز الدماغ كهربائيًا لتحسين الأعراض.
4. التعايش مع اضطراب الوسواس القهري
على الرغم من أن اضطراب الوسواس القهري هو اضطراب مزمن قد يتطلب علاجًا مستمرًا، إلا أن هناك طرقًا للتعامل مع الأعراض وتحسين جودة الحياة. قد يشمل ذلك تقنيات إدارة التوتر مثل تمارين الاسترخاء والتنفس العميق، بالإضافة إلى تعلم كيفية وضع حدود للوقت والأنشطة التي قد تستنفد الطاقة.
إن تعلم الشخص كيفية مواجهة الوساوس دون اللجوء إلى الأفعال القهرية يعد خطوة حاسمة في التعافي، وينبغي أن يشجع المريض نفسه على أخذ خطوات صغيرة نحو تحسين حالته.
5. الختام
في الختام، فإن اضطراب الوسواس القهري هو حالة نفسية تتطلب فهمًا عميقًا من المصاب ومن المحيطين به. يمكن معالجة هذا الاضطراب من خلال مجموعة من العلاجات النفسية والدوائية التي تهدف إلى تقليل الأعراض وتحسين نوعية الحياة. مع العلاج والدعم المناسبين، يمكن للأشخاص الذين يعانون من الوسواس القهري أن يعيشوا حياة طبيعية ومليئة بالإنجازات.
